تحقيق أممي يكشف تفاقم القمع في إيران بعد حرب الـ12 يوماً مع إسرائيل

تحقيق أممي يكشف تفاقم القمع في إيران بعد حرب الـ12 يوماً مع إسرائيل
احتجاجات ضد الإعدام في إيران - أرشيف

كشفت بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة عن تصاعد غير مسبوق في وتيرة القمع داخل إيران خلال الأشهر الأخيرة، خصوصًا بعد الحرب القصيرة التي اندلعت مع إسرائيل في يونيو الماضي واستمرت 12 يومًا.

وأكدت البعثة في بيان رسمي، اليوم الجمعة، أن السلطات الإيرانية اعتقلت أكثر من 21 ألف شخص، منهم صحفيون ومحامون ومدافعون عن حقوق الإنسان، في حملة وصفت بأنها الأعنف منذ احتجاجات مهسا أميني عام 2022.

وأوضحت رئيسة البعثة الأممية المستقلة للتحقيق في إيران، سارة حسين، أن فريقها وثّق منذ مارس الماضي "تدهورًا خطيرًا في حالة حقوق الإنسان داخل البلاد"، مشيرة إلى أن الضربات الجوية الإسرائيلية على الأراضي الإيرانية تبعتها موجة من الاعتقالات والقمع الداخلي الواسع.

وقالت حسين إن الحرب الخارجية "أتاحت للسلطات الإيرانية ذريعة لتشديد القبضة الأمنية في الداخل، وتقويض الحريات العامة وتقليص المساحات المدنية"، مؤكدة أن ذلك أدى إلى تآكل مبدأ سيادة القانون وتراجع احترام الحق في الحياة والكرامة الإنسانية.

اعتقالات جماعية وإعدامات

بيّن التقرير أن الاعتقالات شملت طيفًا واسعًا من المجتمع المدني، من المحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين إلى مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين اكتفوا بنشر تعليقات عن الحرب.

وسلط التحقيق الضوء على الارتفاع القياسي في عدد الإعدامات داخل إيران، حيث تجاوز العدد هذا العام 1200 حالة إعدام، وهو الأعلى منذ عام 2015، مؤكداً وجود مؤشرات قوية على استخدام العقوبة بشكل ممنهج في انتهاك صريح للقانون الدولي.

وأشارت البعثة إلى أن عمليات الإعدام تتم غالبًا بعد محاكمات تفتقر للعدالة وتعتمد على اعترافات قسرية، ما يجعلها "أداة سياسية لبث الخوف وإسكات الأصوات المعارضة".

استهداف الأقليات الدينية والعرقية

كشف التقرير الأممي عن استمرار سياسة التمييز ضد الأقليات، حيث تم توثيق اعتقال أكثر من 330 مواطنًا كرديًا، إلى جانب "أعداد كبيرة من العرب" في محافظات الجنوب الغربي، بالإضافة إلى ترحيل مئات الآلاف من اللاجئين الأفغان.

كما أشار إلى أن السلطات تستهدف أتباع الديانة البهائية باتهامات باطلة بالتجسس لصالح إسرائيل، مع تنفيذ مداهمات وعمليات مصادرة للممتلكات الخاصة بهم، وهو ما اعتبرته الأمم المتحدة "اضطهادًا ممنهجًا يتنافى مع القانون الدولي لحقوق الأقليات".

واتهمت البعثة السلطات الإيرانية بـ تعطيل خطوط الاتصال الخاصة بالصحافيين ومراقبة هواتفهم المحمولة بشكل مستمر، مؤكدة أن القمع تجاوز حدود البلاد ليطول صحفيين في الخارج.

وقالت حسين: "تلقينا أدلة على أن أكثر من 45 صحفيًا في سبع دول مختلفة تلقوا تهديدات مباشرة بسبب تغطيتهم للأحداث في إيران"، معتبرة ذلك محاولة لترهيب الإعلام الدولي وإسكات الأصوات الحرة.

تاريخ طويل من القمع

ربطت الأمم المتحدة بين الأنماط الحالية من القمع وبين سجل طهران الطويل في قمع الحركات الاحتجاجية، بدءًا من انتفاضة الجامعات عام 1999 مرورًا بـ"الحركة الخضراء" في 2009، وصولًا إلى احتجاجات "امرأة، حياة، حرية" التي اندلعت بعد وفاة مهسا أميني عام 2022 أثناء احتجازها بتهمة مخالفة قانون الحجاب.

وأكد التقرير أن النساء والفتيات لا يزلن يتعرضن للتمييز والتضييق من خلال القوانين المقيدة لحرية اللباس والسلوك الاجتماعي، رغم الوعود الحكومية بالإصلاح.

تطرّق التحقيق كذلك إلى القصف الإسرائيلي الذي استهدف سجن إيفين في طهران، موضحًا أن الضربات الجوية أصابت مباني مدنية داخل مجمع السجن لا تُعد أهدافًا عسكرية مشروعة. 

وأشارت البعثة إلى أن إسرائيل ربما تعمدت استهداف هذه المنشآت، في حين فشلت السلطات الإيرانية في اتخاذ إجراءات لحماية السجناء.

دعوات أممية للمساءلة

دعت سارة حسين المجتمع الدولي إلى تفعيل آليات المساءلة الدولية ضد المسؤولين الإيرانيين المتورطين في الانتهاكات، مؤكدة أن "السكوت على هذه الجرائم يشجع على تكرارها"، كما طالبت بالسماح للمنظمات الإنسانية بالدخول إلى إيران دون قيود لمراقبة أوضاع المعتقلين وتوثيق الانتهاكات.

يعكس التقرير الأممي صورة قاتمة عن الواقع الحقوقي في إيران، حيث تتقاطع الحرب الخارجية مع القمع الداخلي في حلقة من الترهيب المنهجي والعزلة السياسية. 

وبينما تبرر السلطات إجراءاتها باعتبارها "حفاظًا على الأمن القومي"، يرى مراقبون أن إيران تعيش اليوم واحدة من أشد مراحلها قسوة منذ الثورة الإسلامية عام 1979، وسط صمت دولي متزايد وتراجع في الضغط الحقوقي العالمي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية